sliderالمبتدأثقافة ومجتمع

قواعد النحو والإعراب ليست عربية بل مترجمة وقاصرة (2)


ثانيًا: ضمير جماعة الغائبين.
وينخرمُ ولا يطَّرِدُ ما تعارف عليه النحاة من التفرقة بين ضميريْ التذكير والتأنيث في قوله تعالى:
﴿مَا هَذِهِ التَّمَاثِيلُ التِـي أَنْتُمْ لَـهَا عَاكِفُونَ قَالُوا وَجَدْنَا ءَابَاءَنَا لَـهَا عَابِدِينَ﴾[الأنبياء 52 ـ 53]
﴿فَجَعَلَهُمْ جُذَذًا إِلَّا كَبِيرًا لَـهُمْ لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ قَالُوا مَنْ فَعَلَ هَذَا بِآلِهَتِنَا إِنَّهُ لَمِنَ الظَّالِمِينَ قَالُوا سَـمِعْنَا فَتًـى يَذْكُرُهُمْ﴾[الأنبياء 58 ـ 59 ـ 60]
﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾[الأنبياء 63]
﴿فَرَاغَ إِلَـى ءَالِـهَتِهِمْ فَقَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ مَا لَكُمْ لَا تَنْطِقُونَ فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْبًا بِالْيَمِينِ﴾[الصافات 91 ـ 92 ـ 93]
﴿وَاجْنُبْنِـي وَبَنِـيَّ أَن نَّعْبُدَ الْأَصْنَامَ رَبِّ إِنَّهُنَّ أَضْلَلْنَ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ﴾[إبراهيم 35 ـ 36]
ولم يتجاوزِ النحاةُ وصْفَ الضمير المؤنث الغائب المفرد في أوّل الأنبياء ﴿لَـهَا﴾، ووصْفَ ضمير جماعة الذكّور الغائبين في حرف الصافات ﴿عَلَيْهِمْ﴾، وثاني الأنبياء ﴿فَـجَعَلَهُمْ﴾ ﴿لَـهُمْ﴾ ﴿يَذْكُرُهُمْ﴾، جَلْبًا منهم مقاييسَ أَلْسِنةٍ أعجمية أقصَرَ باعا من اللسان العربيّ المبين، غيرَ مُراعين دلالة وصْفِ التماثيل بصيغة واحدة في أول الأنبياء هي: ﴿هَـذِهِ﴾ ﴿التِـي﴾ ﴿لَـهَا﴾ ﴿لَـهَا﴾.
وغيرَ مُراعين دلالة وصف التمثال الأكبر بصيغة واحدة هي: ﴿إِلَيْهِ﴾ ﴿فَعَلَهُ﴾ ﴿هَذَا﴾.
وغير مُراعين دلالة وصْف التماثيل في سائر سورة الأنبياء بصيغة واحدة هي: ﴿فَجَعَلَـهُمْ﴾ ﴿لَـهُمْ﴾ ﴿لَعَلَّهُمْ﴾ ﴿يَذْكُرُهُمْ﴾ ﴿كَبِيرُهُمْ﴾ ﴿فَاسْأَلُوهُمْ﴾ ﴿كَانُوا﴾ ﴿يَنْطِقُونَ﴾ ﴿تَأْكُلُونَ﴾ ﴿مَا لَكُمْ﴾ ﴿لَا تَنْطِقُونَ﴾ ﴿عَلَيْهِمْ﴾.
وغير مُراعين دلالة وصف الأصنام في سورة إبراهيم بصيغة: ﴿إنَّهُنَّ﴾ ﴿أَضْلَلْنَ﴾.
وتتراءى للنحاة وغيرِهم صيغة التأنيث المفرد في الأمثلة الأولى، وصيغة التذكير المفرد في الأمثلة الثانية، وصيغة الجمع المذكّر في الأمثلة الثالثة، وصيغة الجمع المؤنث في الأمثلة الرابعة.
إنّ الضمير (هُم) و (هنَّ) خارجَ مواطن التذكير والتأنيث وَرَدَ للدلالة على الاستقصاء والتفصيل على عكس صيغة الإجمال المطّرِدة في الضمير الغائب المفرد نحو (ها) ونحو (هَذِهِ) ونحو (فَعَلَهُ).
فمن الأول: للتفصيل والاستقصاء قولُه تعالى ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّـــهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَـمَّهُنَّ﴾[البقرة 124] ويعني أنه استوفى ووفَّـى تفصيلا تلك الكلمات لم يقصُرْ عن شيءٍ منها كما في المثاني معه ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الذِي وَفَّـى﴾[النجم 37].
وقولُه ﴿قَالَ فَخُذْ أَرْبَعَةً مِنَ الطَّيْرِ فَصُرْهُنَّ إِلَيْكَ ثُمَّ اجْعَلْ عَلَى كُلِّ جَبَلٍ مِنْهُنَّ جُزْءًا ثُمَّ ادْعُهُنَّ يَأْتِينَكَ سَعْيًا﴾[البقرة 260] أي استوْفِ التقطيع ولا تُبْقِ معك منه شيئا.
وقولُه ﴿تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِن مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِـحَمْدِهِ﴾[الإسراء 44] يعني تفصيلا يشمل من في السماوات ومن الأرض.
وقولُه ﴿الْـحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْـحَجَّ فَلَا رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِـي الْـحَجِّ﴾[البقرة 197] يعني التكليف بالإعراض عن الرفث والفسوق والجدال تفصيلا في جميع أشهر الحج يستوي فيه مَن نوَى القيام بفريضة الحج ومَن شرع في السفر إليه.
ودلالة قوله تعالى ﴿قَالَ بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا فَاسْأَلُوهُمْ إِنْ كَانُوا يَنْطِقُونَ﴾[الأنبياء 63] على الاستقصاء والتفصيل أي اسألُوا كل واحد من التماثيل تفصيلا ولا تستثنُوا منهم أحدا ليظهر لكم عجزه.
ودلالة قوله ﴿وَقَالَ الْـمَلِكُ إِنِّـي أَرَى سَبْعَ بَقَرَاتٍ سِـمَانٍ يَأْكُلُهُنَّ سَبْعٌ عِجَافٌ﴾[يوسف 43] أي أن البقرات العجاف استوفت أكل البقرات السمان ولم تبق منهن شيئا.
ودلالة قوله ﴿هُوَ الذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ ءَايَاتٌ مُـحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ﴾[آل عمران 7] على الاستقصاء والتفصيل ظاهرة أي أنّ جميع الآيات المحكَماتِ بدون استثناء شيء منها هنّ أم الكتاب،ولا علاقة للضمير ﴿هُنَّ﴾ في هذا السياق بجماعة الإناث الغائبات.
ودلالة قوله ﴿للهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا فِيهِنَّ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[آخر المائدة] على الاستقصاء والتفصيل ظاهرة أي ليس شيءٌ في السماوات والأرض غير مملوكِ للهِ، ولا علاقة للضمير ﴿هُنَّ﴾ في هذا السياق بجماعة الإناث الغائبات.
وكذلك دلالة قوله ﴿وَلَئِنْ سَأَلْتَهُم مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ﴾[الزخرف 9] على الاستقصاء والتفصيل ظاهرة يعني كلهن بلا استثناء مخلوقاته، ولا علاقة للضمير ﴿هُنَّ﴾ في هذا السياق بجماعة الإناث الغائبات.
ومن الثاني للدلالة على الإجمال قوله تعالى ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِـمَّن مَنَعَ مَسَاجِدَ اللهِ أَنْ يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِـي خَرَابِهَا﴾[البقرة 114] أي إجمالا كمنع بعض المساجد والسعي في خَراب بعضِها ولا يلزم لوصفه بأظلمِ الظلم مَنْعُه جميع المساجد.
وقولُه ﴿وَكَأَيِّن مِنْ ءَايَةٍ فِـي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَـمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ﴾[يوسف105] أي إجمالا ولن يستقصيَ الناسُ أبدا جميعَ الآيات في السماوات والأرض.
ولقد اجتمع الضميران ضمير الغائب المفرد ﴿مِنْهَا﴾ وضمير الجمع الغائب ﴿فِيهِنّ﴾ في قوله تعالى ﴿مِنْهَا أَرْبَعَةٌ حُرُمٌ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ فَلَا تَظْلِمُوا فِيهِنَّ أَنْفُسَكُمْ﴾ [براءة 36] ويعني الأول تخصيص أربعة من إجمال اثني عشر شهرا ويعني الثاني تفصيل تحريم الظلم في الأشهر الحرُم حرمة لا تستثني منهن شيئا.
من موسوعتي لتجديد أصول التفسير قسم معاني المثاني “الضمائر” باختصار
الحسن ولد ماديك

مقالات ذات صلة

اترك رد

زر الذهاب إلى الأعلى